الكاتب والباحث الشيخ حسين التميمي.
إن من بين النماذج التربوية الراقية التي عرضها القرآن الكريم، تبرز وصايا لقمان لابنه كمنهج تربوي شامل يجمع بين العقيدة والسلوك والأدب الاجتماعي. وقد خُلد هذا الموقف في سورة لقمان، حيث قال الله تعالى:
“وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم…” إلى آخر الآيات.
ويبدأ لقمان وصاياه بالنهي عن الشرك، ليؤسس تربية الإيمان قبل أي تربية أخرى، ويغرس في ابنه التوحيد الخالص. وهذه أولى خطوات بناء شخصية متزنة، إذ لا يمكن أن تستقيم النفس من الداخل ما لم تستند إلى أساس عقدي متين. ومن ثم ينتقل لقمان إلى ربط الإيمان بالعمل، فيُبيِّن أن الله مطّلع على كل شيء، حتى وإن كان مثقال حبّة من خردل. وهذا تأكيد على مراقبة الله في السر والعلن، مما يزرع الرقابة الذاتية في نفس الابن.
وثم ينتقل الخطاب التربوي إلى جانب سلوكي وعملي، حيث يدعو لقمان ابنه إلى إقامة الصلاة، باعتبارها عمود الدين، ومصدرًا دائمًا للتزكية والتهذيب. ويحثّه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي دعوة لتحمل المسؤولية الاجتماعية، والمساهمة في إصلاح المجتمع.
ولأن طريق الإصلاح ليس سهلاً، جاءت الوصية التالية: “واصبر على ما أصابك”، لتُعدّ الابن نفسيًا على تحمل تبعات الالتزام بالقيم، ومواجهة التحديات بالصبر والحكمة.
ولا يغفل لقمان عن تهذيب السلوك الفردي والظاهر، فيوصي ابنه بعدم التكبر، ويحثه على التواضع في المشي والكلام، لأن السلوك الخارجي مرآة لما في الداخل، وبه تكتمل شخصية الإنسان المتزن.
وهكذا، يُقدّم لنا لقمان نموذجًا متكاملاً في التربية: يبدأ بالإيمان، ويمر بالأخلاق والسلوك، وينتهي بالمسؤولية الاجتماعية، في خطاب مليء بالحكمة والرفق، وهو ما يجعل من وصاياه مرجعًا تربويًا خالدًا، صالحًا لكل زمان ومكان.